الثلاثاء، 21 يونيو 2011

العلاقة بين البصيرة والعقل والقرآن:

العلاقة بين البصيرة والعقل والقرآن:

البصيرة إذن هي الإبصار القلبي (العقلي) مقابل الإبصار الحقيقي بالعين لأن كليهما بحاجة إلى النور والوضوح، فالضياء هو النور الحقيقي اللازم للعين الباصرة حتى ترى الواقع الحقيقي بوضوح. والبراهين والأدلة البينة هي النور اللازم لإبصار البصيرة القلبية حتى ترى الحق بوضوح.

ولا بد للقلب (العقل) من بصيرة يبصر بها الأمور ليصل إلى الحق ويميز بهذه البصيرة بين الحق والباطل، ولكن إذا لم تكن البصيرة هادية إلى الحق والرشاد كان الإنسان بها أعمى القلب، فالعمى على الحقيقة ليس هو عمى البصر لكن العمى هو عمى البصيرة لان العقل بهذه البصيرة العمياء لا يتدبر ولا يعتبر ويتصرف بشكل خاطئ لا يرضي الله ولا يوصل إلى الخير. ومن كان هذا شأنه لم تكن له بصيرة.

إذن فواقع البصيرة أنها هي القدرة على الحكم على الواقع بشكل صحيح بواسطة الربط السليم في الذهن من خلال الاستدلال بالحجج والبراهين الظاهرة والواضحة التي تنير وتضيء معالم الطريق والتي توصل إلى الحقائق والعبر الصحيحة وبالتالي تؤدي إلى التصرف والسلوك الناهض وفق شرع رب العالمين. وبكلمات أخرى فإن البصيرة هي القدرة على التفسير المستنير للواقع. والقرآن يركز في كثير من آياته أنه كتاب أنزله الله تعالى ليكون سببا في تنوير العقول وضياء القلوب يتبصر به الحقائق فهو بمنزلة البصائر في القلوب. ولو كانت القلوب خالية عن أنوار القرآن وعلومه لكانت عمياء لا تستبصر ولا تعرف حقا من باطل.

إن الله تعالى يصف في كثير من آي القرآن الإيمان بأنه النور والحياة ويصف الكفر بأنه الظلمات والموت، فالإيمان يزيل التيه والغموض والارتباك والغي من نفس المؤمن ويؤدي به إلى الأمن والاستقرار والسعادة كونه في الأساس يحل العقدة الكبرى التي تؤرق الإنسان وتؤدي إلى اضطرابه حلا صحيحا يقنع العقل ويوافق الفطرة فيملأ هذا العقل يقينا قناعة ويملأ القلب طمأنينة. أما الكفر فهو يعني الستر والكافر هو الذي يستر الحق والخير في نفسه، ويمنع قلبه عن أن ينشرح لنداء الله الصادق له بإتباع طريق الرشاد. فكأنه يحب الظلام بحجب النور عن اختراق حجرات قلبه حتى لا يؤثر فيه فيبقى تائها في دياجير الظلام والجهل وغموض المصير وضلال الطريق، وتبقى نفسه مضطربة لا تستقر على حال.

فشتان ما بين الإيمان والكفر والعلم والجهل، والظلمات والنور، والأحياء والأموات، فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ.

اللهم اجعلنا من أهل الإيمان والبصيرة والنور والهدى، وأبعدنا بفضلك وهدايتك عن طريق الهاوية طريق الكفر والظلام والموات والضلال.

اللهم آمين

هناك تعليقان (2):

  1. مفهوم البصيرة:
    البصيرة وإن كان اشتقاقها من البصر إلا أنها شيء آخر غيره، أهم وأدق وأوسع وأشمل من البصر، لأن البصر ما هو إلا وسيلة لنقل الصور الخارجية إلى الذهن مثلها مثل وسيلة السمع، والشم، واللمس، والذوق وهو ما يقال عنها الحواس الخمسة.

    وقد عرّفوا البصيرة بأقوال أهمها ما قاله الراغب الأصفهاني في المفردات:)يقال لقوة القلب المدركة بصيرة، وقد قال قبلها؛ البصر يقال للجارحة. وجمع البصر أبصار وجمع البصيرة بصائر((1).

    والواقع هذا ليس سوى تعريف للفظ وليس لتعريف المعنى أو حتى تقريب مفهوم المعنى إلى الأذهان.

    وأستطيع أن أعرف معنى البصيرة بأنها: قوة خفية أو ملكة وهبها الله للإنسان لإدراك حقائق الأشياء، أو إدراك الجوانب الخفية من الموضوعات، ولا يأتي ذلك إلا بعد الإحاطة بجميع جوانب الموضوعات.

    والبصير كالخبير وهو معنى أخص من معنى العالم، فالعالم هو من يعرف شيئاً عن كل شيء، وأما الخبير فإنه يعلم كل شيء عن شيء، ومن ثم يتصف الله سبحانه وتعالى بالعلم والخبرة معاً لأنه عالم بكل شيء خبير بكل شيء على حدة، وبعبارة أخرى: عالم بالعموم خبير بالأجزاء.

    والبصيرة تأتي عن طريق قوة الملاحظة والقدرة على التمييز بين الموضوعات والنفوذ إلى الفوارق الدقيقة بين المتشابهات في المواضيع.

    والبصيرة في نوعها مثل القوى والملكات الموهوبة إلى الإنسان منها ما هو قوي، ومنها ما هو ضعيف، أي أنها تتقارب في درجات القوة والضعف. وتتفاوت من شخص إلى آخر، بل أنها تتفاوت عند الشخص الواحد في المواضيع. فنجد شخصاً ما بصيراً في السياسة، ولكنه غير بصير في الاقتصاد، أو بصيراً في شؤون الزراعة وليس كذلك في شؤون الصناعة، وهكذا..

    ردحذف
  2. ومن أهم عوامل تنمية البصيرة عند الفرد:

    أولاً: دراسة الموضوعات دراسة شاملة حتى يصل الفرد إلى إحاطة وإلمام بكل موضوع.

    ثانياً: النظر إلى الموضوعات نظرة تفصيلية.

    ثالثاً: معرفة الفوارق بين الموضوعات.

    رابعاً: النظرة النقدية للموضوع وهو السعي لمعرفة محاسنه ومعايبه.

    خامساً: التجارب والممارسة.

    هذه عوام تؤدي إلى زيادة قوة البصيرة وإنمائها في الموضوعات بشكل عام، ولكن إذا كان المراد تنمية البصيرة في الدين الاسلامي، فإن هذا الموضوع (الإسلام) يحتاج إلى عامل آخر يزيد عن كل تلك العوامل في الأهمية ألا وهو عامل الوجدان والحب لهذا الدين.

    فالإسلام دين الفطرة التي تنطبق تمام الانطباق مع الوجدان.

    والإسلام دين حي لا يمكن أن يعطي خفاياه وجوانب من حقيقته إلا لمن أحبه وأولاه ولاءً خاصاً.

    فإن للوجدان قدرة خاصة تفوق قدرة العقل على الوصول إلى حقائق الأشياء، ومعرفة وإدراك ما يعجز العقل عن معرفته وإدراكه بوسائله المتاحة. فالوجدان لا يعتمد البرهان والاستنتاج في وصوله إلى الحقائق والخفايا. فإن ميدان الوجدان أوسع من ميدان العقل الذي يعمل في ميدان المحسوسات ولا يستطيع الخروج عن ميدانها، لذلك يكون الوجدان وسيلة لإدراك ما يعجز لعقل عن إدراكه.

    وهذا المعنى ما أشار إليه رسول الله )صلى الله و عليه و آله و سلم( حين قال لسائل سأله:)استفت قلبك وإن لم يفتك الناس(.

    فالوجدان السليم الذي يعبّر عنه بالذوق يرشد صاحبه إلى الحقيقة وقوله تبارك وتعالى:)بل الإنسان على نفسه بصيره، ولو ألقى معاذيره((2) .

    يؤكد الدور الحقيقي للوجدان الإنساني داخل كل فرد، وقدرته الفائقة في الكشف ومعرفة الحقائق والوصول إليها مهما كانت الحواجز والموانع الموصولة إليها.

    لذلك قال العرفاء في بيانهم لحدود العقل وقدرة التذوق الوجداني ووصولها إلى ما يصل إليه العقل قالوا: )العقل كالمطية يصحبك إلى قصر السلطان ولا يدخل معك عليه(.

    وهذا يعني أن العقل يوصلك إلى بوابات حقائق الموضوعات ولكنه لا يستطيع إدراك المعاني الحقيقية فيها وإنما ذلك مرده إلى الذوق والوجدان السليم. ولا شك أن هذا في غالبه في الموضوعات الاعتبارية.

    ومن ثم فإن البصيرة في الدين الإسلامي من لوازم الداعية لأنها من العناصر الأساسية في الدعوة الإسلامية.

    لذلك يلزم الداعية قوة النظر والملاحظة في محاسن الإسلام سواء كان في الشق التشريعي والعبادي أو في شقه الإيمان (العقائدي).

    ولا يتحقق ذلك إلا بأمرين أولهما عقلي والثاني وجداني، فالعقلي هو دراسة هذا الدين دراسة تمحيصية الغرض منها معرفة الحقائق الكامنة فيه. ودراسة العقائد والشرائع الأخرى ليكتسب الداعية الفوارق بين ما هو حق صحيح, وما هو باطل خاطئ، حيث أنه لا يمكن اكتساب القدرة على التمييز إلا بمعرفة الشيء وضده، ومعرفة المتشابهات.

    وأما الثاني الوجداني هو تنمية الذوق الرفيع والوجدان المتوازن المستقيم لتنمية الشعور بالحقائق وإدراك معانيها.

    هذه هي البصيرة المراد بيانها في موضوع أصول الدعوة الأربعة، الحكمة، الموعظة الحسنة، الجدال الحسن، البصيرة.

    ردحذف